كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم أثنى عليهم فقال عزّ من قائل: {أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] الربيع عن أنس: السابقون إلى إجابة الرسول في الدنيا، وهم السابقون إلى الجنة في العقبى.
ابن كيسان: السابقون إلى كل ما دعا الله سبحانه وتعالى إليه.
{أولئك المقربون} إلى الله {فِي جَنَّاتِ النعيم}.
أخبرني الحسين، حدّثنا علي بن إبراهيم بن موسى الموصلي، حدّثنا محمد بن مخلد العطار، محمد بن إسماعيل، حدّثنا وكيع، حدّثنا شعبة ومسعر عن سعد بن أبراهيم عن عروة بن الزبير قال: كان يقال: تقدموا تقدموا.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن ماجة، حدّثنا ابن أيوب، حدّثنا القطواني، حدّثنا سيار، حدّثنا جعفر حدّثني عوف حدّثني رجل من أهل الكوفة قال: بلغني أنه إذا خرج رجل من السابقين المقربين من مسكنه في الجنة كان له ضوء يعرفه مَن دونه فيقول: هذا ضوء رجل من السابقين المقربين.
{ثُلَّةٌ} جماعة {مِّنَ الأولين} أي الأمم الماضية {وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين} أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم {على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} مرمولة منسوجة مشبكة بالذهب والجواهر، قد إتّصل بعضها في بعض، كما توضن حلق الدرع [.......] بعضها في بعض مضاعفة.
ومنه قول الأعشى:
ومن نسج داود موضونة ** تساق مع الحيّ عيرًا فعيرا

وقال أيضًا:
وبيضاء كالنهي موضونة لها ** قونس فوق جيب البدن

ومنه وضين الناقة وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفًا كحلق الدرع.
قال الكلبي: طول كل سرير ثلاثمائة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها إرتفعت.
وقال الضحاك: موضونة مصفوفة، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. يقال: آجر موضون إذا صفَّ بعضها على بعض.
{مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} في الزيارة لا ينظر بعضهم في قفا بعض {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} للخدمة {وِلْدَانٌ} غلمان {مُّخَلَّدُونَ} أي لا يموتون عن مجاهد، وقال الكلبي: لا يهرمون ولا يكبرون ولا ينقصون ولا يتغيرون، وليس كخدم الدنيا يتغيرون من حال إلى حال.
ابن كيسان: يعني ولدانًا مخلدين لا يتحولون من حالة إلى حالة، عكرمة: منعمون. سعيد بن جبير: مقرّطون.
قال المؤرّخ: ويقال للقرط الخلد.
قال الشاعر:
ومخلدات باللجين كأنما ** أعجازهن أفاوز الكثبان

وقال علي والحسن: هم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها، لأن الجنة لا ولادة فيها.
وفي الحديث: «أطفال الكفار خدم أهل الجنة».
{بِأَكْوَابٍ} جمع كوب {وَأَبَارِيقَ} جمع إبريق، سمي بذلك لبريق لونه {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} خمر جارية {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} لا تصدّع رؤوسهم عن شربها {وَلاَ يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} يختارون ويشتهون.
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن حبش، حدّثنا ذكّار، حدّثنا هناد، حدّثنا أبو معونة عن عبيد الله بن الوليد عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لطيرًا فيه سبعون ألف ريشة، فيجيء فيقع على صحيفة الرجل من أهل الجنة ثم ينتفض، فيخرج من كل ريشة لون أبيض من الثلج والبرد وألين من الزبد وأعذب من الشهد ليس فيه لون يشبه صاحبه ثم يطير فيذهب».
{وَحُورٌ عِينٌ} قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي والمفضل بكسر الواو والنون أي {وبحور عين}، أتبعوا الآخر الأول في الإعراب على اللفظ وإن اختلفا في المعنى، لأن الحور لا يطاف بهنَّ، كقول الشاعر:
إذا ما الغانيات برزن يومًا ** وزججن الحواجب والعيونا

والعين لا تزجج وإنما تكحل.
وقال الآخر:
متقلدًا سيفًا ورمحًا

ومثله كثير.
وقرأ إبراهيم النخعي واشهب العقيلي: {وحورًا عينًا} بالنصب، وكذلك هو في مصحف أُبيّ، على معنى: ويزوّجون حورًا عينًا.
وقال الأخفش: رفع بخبر الصفة، أي لهم حور عين، وقيل: هو ابتداء وخبره فيما بعده.
أخبرنا الحسين، حدّثنا محمد بن الحسن بن صقلاب، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن بشير ابن يوسف بن النضر، حدّثنا بكر بن سهل الدمياطي، حدّثنا عمرو بن هاشم، حدّثنا سليمان بن أبي كرعة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أُم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزّ وجل: {وَحُورٌ عِينٌ}؟ قال: «حور بيض عين ضخام العيون».
أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا ابن صقلاب، حدّثنا أبو بكر بن أبي الخصيب حدّثني محمد بن غالب حدّثنا الحرث بن خليفة، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الحور العين من الزعفران».
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن يودة، حدّثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزاز، حدّثنا سليمان بن عبدالرحمن ابن بنت شرحبيل، حدّثنا خالد بن يزيد، عن أبي مالك، عن أبيه عن خالد بن معدان، عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يدخل الجنة إلاّ وهو يزوّج ثنتين وسبعين زوجة، ثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار، وليس منهن امرأة إلاّ ولها قُبل شهيّ وله ذكر لا ينثني».
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا أحمد بن محمد بن علي، حدّثنا عثمان بن نصر البغدادي، حدّثنا محمد بن مهاجر أبو حنيف، حدّثنا حلبس بن محمد الكلابي، حدّثنا سفيان الثوري، عن منصور أو المغيرة، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسطع نور في الجنة فقالوا: ما هذا؟ قالوا: ضوء ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها».
وروي أن الحوراء إن مشت سُمع تقديس الخلاخيل من ساقيها وتمجيد الأسورة من ساعديها، وإن عقد الياقوت يضحك من نحرها، وفي رجليها نعلان من ذهب شراكها من لؤلؤ تصرّان بالتسبيح.
وكان يحيى بن معاذ الرازي يقول: اخطب زوجة (لا تسلبها) منك المنايا، وأعرس بها في دار لا يخربها دوران البلايا وشبّك لها حجله لا تحرقها نيران الرزايا.
وقال مجاهد: سميت حورًا لأنه يحار فيهن الطرف.
{كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون} المخزون في الصدف الذي لم تمسّه الأيدي {جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا} في نصبهما وجهان:
أحدهما: إتباع للقيل.
والثاني: على (يسمعون سلامًا)، ثم رجع إلى ذكر منازل أصحاب الميمنة فقال: {وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} لا شوك فيه، كأنه خضّد شوكها أي قطع ونزع.
ومنه الحديث في المدينة: «لا يخضد شوكها ولا يعصر شجرها» وهذا قول ابن عباس وعكرمة وقسامة بن زهير.
وقال الحسن: لا تعقر الأيدي. قتادة: هو الذي لا يرد اليد منها شوك ولا بعد.
وقال الضحّاك ومجاهد ومقاتل بن حيان: هو الموقر حملا.
قال سعيد بن جبير: ثمرها أعظم من الفلال. وقال ابن كيسان: هو الذي لا أذى فيه.
قال: وليس شيء من ثمر الجنة في غلف كما تكون في الدنيا من الباقلاء وغيره، بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه.
قال أبو العالية والضحّاك: نظر المسلمون إلى وجَّ وهو واد مخصب بالطائف، وأعجبهم سدرها.
وقالوا: يا ليت لنا مثل هذا، فأنزل الله عزّ وجل: {وَطَلْحٍ} وموز واحدتها طلحة، عن أكثر المفسرين.
وقال الحسن: ليس هو موزًا ولكنه شجر له ظلّ بارد طيب.
وقال الفراء وأبو عبيدة: الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك.
قال بعض الحداة:
بشرها دليلها وقالا ** غدًا ترين الطلح والجبالا

وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن حيان، حدّثنا ابن مروان، حدّثنا أُبي، حدّثنا إبراهيم بن عيسى، حدّثنا علي بن علي قال: زعم أبو حمزة الثمالي عن الحسن مولى الحسن بن علي أن عليًا قرأ: {وطلعٌ منضود}.
وأنبأني عقيل، أنبأنا المعافي محمد بن جرير، حدّثنا سعيد بن يحيى، حدّثنا أُبي، حدّثنا مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن سعد قال: قرأ رجل عند علي رضي الله عنه {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} فقال علي: وما شأن الطلح؟ إنما هو طلع منضود ثم قرأ {طلع منضود}. فقلت: إنها في المصحف بالحاء فلا تحوّلها؟ فقال: إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوّل.
والمنضود: المتراكم الذي قد نُضد بأكمله من أوله إلى آخره، ليست له سوق بارزة.
قال مسروق: أشجار الجنة من عروقها إلى أغصانها ثمر كله.
{وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} دائم لا تسخنه الشمس.
قال الربيع: يعني ظل العرش. عمرو بن ميمون: مسيرة سبعين ألف سنة.
قال أبو عبيدة: تقول العرب للدهر الطويل والعمر الطويل، وللشيء الذي لا ينقطع: ممدود.
قال لبيد:
غلب العزاء وكنت غير مقلب ** دهر طويل دائم ممدود

حدّثنا أبو محمد مهدي بن عبد الله بن القاسم بن الحسن العلوي إملاءً في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، حدّثنا أبو بكر جعفر بن محمد الحجاج حدّثني محمد بن يونس الكديمي، حدّثنا أبو عامر العقدي، حدّثنا زمعة بن صالح عن سلمة عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} قال: شجرة في الجنة على ساق يخرج إليها أهل الجنة، أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في أصلها ويتذكر بعضهم ويشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله عزّ وجل عليها ريحًا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا محمد بن حبيش بن عمر المقريء، حدّثنا ذكار بن الحسن، حدّثنا هناد بن السري، حدّثنا عبدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، إقرؤوا إن شئتم قول الله عزّ وجل: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ}».
{وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ} مصبوب يجري دائمًا في غير إخدود لا ينقطع.
أخبرني الحسين، حدّثنا عبد الله بن يوسف، حدّثنا محمد بن موسى الحلواني، حدّثنا خزيمة بن أحمد الباوردي، حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا الحسين بن علي الجعفي، حدّثنا مزاحم بن داود بن عُلبة قال: مات أخ لي وكان بارًا بأمّه فرأيته فيما يرى النائم فقلت له: أي أخي إن أخاك يحب أن يعلم إلى أي شيء صرت؟ فقال لي: أنا في سدر مخضود وطلح منضود، وظل ممدود وماء مسكوب.
{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ} بالأزمان {وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} بالأثمان.
وقال القتيبي: لا محظور عليها كما يحظر على بساتين الدنيا. وقيل: لا تنقطع الثمرة إذا جُنيت، بل تخرج مكانها مثلها.